أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة.
وهي ما كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله – عز وجل ـ وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها.
ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، وسموا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها.
وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة.
وقد تميز أهل السنة بخصائص ميزتهم عن غيرهم ممن انتسبوا لهذا الدين.. ومن أبرز الخصائص لهذه للفرقة الناجية التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملة، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها:
ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص في ألوهية الله، وربوبيته، وأسمائه وصفاته.
وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العبادات في أجناسها، وصفاتها، وأقدارها، وأزمنتها، وأمكنتها، وأسبابها، فلا تجد عندهم ابتداعًا في دين الله، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله عز وجل ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله.
وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر، وطلاقة الوجه، وحسن المنطق والكرم، والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها.
وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق، والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)(رواه البخاري).
والنقص في هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن لكل درجات مما عملوا، والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية. أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته.
اتفاق الكلمة:
وإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله – تعالى- في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(الشورى:13) وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم برئ منهم، فقال الله- عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام:159).
فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية – أهل السنة والجماعة- فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقدًا، ولا عداوة، ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء، ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل.
وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه
فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعًا للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى مع ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور.
حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحدًا منهم، ولم يثرب بعضهم على بعض؛ كما حدث عند غزو بني قريظة حين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة). فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت.
ومنهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها – وهؤلاء هم المصيبون- ولكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص.
فواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد.
ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين، أو للإسلام وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة كما أمرنا الله تعالى بقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)(آل عمرن:103)، وقوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)(آل عمران:105).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية